كتابة: مارك دوريه. 24 تموز 2017.
يُعلنْ القرآن أنّ يسوع (عيسى بحسب القرآن) هو كلمة الله الّتي “ألقاها الى مريم وروح منه” (سورة النساء 171) ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً”. وفي (سورة آل عمران 45) يقول “إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ.” يرى البعض في هذه الألقاب علامة تمييز ليسوع (عيسى)، وسط الكثير من المرسلين (الأنبياء) من الله. يوجد الكثير من المرسلين المسيحيّين الّذين يستخدمون هذه التّعابير، مدّعين بأنّها تُشير الى تمييز المسيح في القرآن ويستخدمونها كنقطة إنطلاق للتّبشير. والبعض إعتبر أن هذا الإحترام هو دليل على أنّ القرآن هو موحى به من الله نفسه. بينما لمْ يذهب البعض الى هذا الحدّ، لكن يتمسّك باعتبار القرآن، من خلال هذه الألقاب، يعكس الحقْ الإلهي.
لكن ما هو المعنى الحقيقي المقصود من خلال هذه التّعابير “كلمة” و “روح” في النّص القرآني؟
أوّلاً، نلاحظ أنّ القرآن عندما يشير الى يسوع كَـ “كلمة” و “روح”، إنّما هو يرفض، في الوقت نفسِه، وبشدّة أيّ إدّعاء أنّ يسوع هو أكثر من كائن بشريّ عاديّ. إنّ الآية نفسها في (سورة النساء 171) التي تُعلن أنّ يسوع كان “كلمة” و “روح”، تؤكّد أنّه كان فقط “رسول الله”، وهذه وفي سياق النصّ، توبيخ ولوم للمسيحيّين: “وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا (كفّوا عن) خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ”. وأيضاً في (سورة آل عمران 59) التي تدعو يسوع “كلمة” تؤكّد أنّه كآدم مخلوق من الله، “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ”، وكلُّ مَنْ يقول غيرَ ذلك يُلعن من قبل المؤمنين (المسلمين) أثناء الصّلاة (سورة آل عمران 61) “ومَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ”.
إذاً من الواضح أنّ تفسير التعابير “كلمة” و “روح” الّتي تشير الى يسوع إنّما تدلّ على خَلقه كإنسان عكسَ ادِّعائِهِ الألوهيّة. لكن كيف يمكن لهذه التّعابير أن تُستخدم كدليل ضدّ الّذين يقولون أنّ المسيح هو الله؟
الجواب موجود في القرآن نفسِهِ. في أماكن أخرى، القرآن يدعو الأمور نِسبةً للوسائل أو الأصل الّذي خُلقت بها. مِثال: دُعيَ الإنسان ” نُطفةً من منيّ” (سورة القيامة 37) و (سورة النحل 4) و (سورة الإنسان 2). تسمية يسوع (عيسى) “كلمة” إنّما تُشير الى المصدر الّذي هو الله. هو “كلمة” لأنّه ولد بواسطة كلمة، كما أنّ الجنس البشريّ هو قطرة من السائل المنويّ لأنّه هكذا خُلق بحسب القرآن.
القرآن أيضاً يوضح أنّ الله يَخلق بكلمتِهِ (سورة يَسْ 81-82) “أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ. إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ”. وهذه تشير بالتّحديد الى يسوع (عيسى) في الآية التالية، (سورة مريم 35) “مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ”. هنا يقول القرآن أنّ يسوع (عيسى) ليسَ الإبن الأزلي لله لأنّه خُلق بكلمة أمرٍ مِن الله.
ماذا عن كلمة “روح”؟ من المُلفتِ للنّظر أنّ في عصر الشِّعر العربيّ ما قبل القرآن، كلمة “روح” لم تُستَعمَل للدّلالةِ على روح الإنسان ولا على نَفَسِ الإنسان الّتي تخرج منه عند الموت. في الواقع أنّ هذه الكلمة تدل على نَفْخِ أو نَفْثِ الدخان أو الهواء. لذلك في القرآن لا تعني “روح” بل “نَفَخْ” أو “نَفَثْ نَفَسْ”. وعندما يستخدم كلمة “نَفَخْ” أو “نَفَثْ” إنّما هو يقصد بها عمليّة الخلق. جعل الله الإنسان نفْساً حيّاً عندما نفخ فيه “روحه”. (سورة ص 71و72)” إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ”. كذلك قيل عن عيسى في القرآن، إنّه كان يصنع طيوراً من طين وينفخ فيها فتصبح حيّةً وتطير (سورة المائدة 110) “إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ”.
لذلك، كما أنّ كلمة “كلمة” تشير الى خلق الإنسان بواسطة كلمة (أمر) من الله، كذلك إنّ الكلمة “روح” تشير الى الكيفيّة الّتي أصبح فيها الإنسان حيّاً بواسطة نفخة من الله.
إنّ هاتين الكلمتين “كلمة” و “روح” بعيدتان كلّ البعد عن أن تكونا علامات تمييز ليسوع القرآنيّ (عيسى)، لكن بالحقيقة يُقصد بهما التّشديد على أنّه إنسان مخلوق كباقي النّاس مثل آدم وباقي النّسل البشريّ. إذاً هذه التّعابير ليست خاصّة بيسوع القرآنيّ (عيسى)، لكن هي دليل على أنّه مجرّد عضو من العِرقْ البشريّ.
إنّ هذه الشّروحات تتوافق بالكامل مع النّصوص القرآنيّة الّتي تستخدم هذه التّعابير للإشارة ليسوع (عيسى) في القرآن. كما أنّها تتوافق مع التّفاسير التّقليديّة الإسلاميّة لهذه الآيات. طبعاً، ومن الممكن أحياناً أن يَستخدِم الرّوح القدس هذه التّعابير لجذب إنتباه المسلم الى يسوع في القرآن، لكن هذه التّعابير لا تَعكِس حقيقة النيّة والقصد من وراء إستخدامها، بل استُخْدِمَتْ لإيصال ما قصد القرآن فعلاً إيصاله من وراء إستخدامه لهذه التّعابير.
ومن السّخرية أنّ بعض المرسلين المعروفين يستخدمون هذه التّعابير الّتي تهدف أصلاً لإنكار الوهيّة المسيح، بالإشارة إليه كإنسان عادي مخلوق مثل الآخرين، وعن طريق الخطأ يجدون فيها تكريماً للمسيح في القرآن. لا شيء يستطيع أن يختفي في ضوء الحقيقة. هذه ليست علامات تمييز وتكريم لكن علامات مُشْتَرَكَة عادية مُستَخْدَمَة كلّ يوم. هذه بلاغة وفلسفة ضدّ المسيح.
وللمرسلين الّذين يحاولون قراءة مصطلحات العهد الجديد في النّصوص القرآنيّة حيث لا تنتمي اليها، نصيحتي هي: لا تلتقطوا الطعم. يوجد شَرَكْ (فَخْ) عِدائي في هذه التٍّعابير لجذب وتحويل الإنتباه الى نقاط بعيدة كلّ البُعد عن حقيقة طبيعة يسوع ابن الله.
0 Comments